الجزء الاول من صلح الحديبية
صلح الحديبية ، الذي يعد احتكاكا من نوع فريد بين المسلمين وبين مشرکی مكة، فهو احتكاك سلمى ولم يسل فيه سيف ولم تسل فيه دماء بل بدا واضحا
حرص الفريقين على السلم، وإن بدت نذر الحرب سافرة، وتلبدت سماء مكة والحديبية بتطاير شرر القتال هنا وهناك أكثر من مرة قبل إتمام هذا الصلح.
اعلان النبي زيارته و المسلمين لمكة
قبل صلح الحديبية ، فقد أعلن النبي صل الله عليه وسلم أنه والذي آمنوا معه ذاهبون إلى مكة لزيارة البيت وتعظيمه، فمن شاء من الأعراب أن يصحبهم مسلما كان أو غير مسلم فله ذلك
ولم تلق هذه الدعوة الإسلامية للحج إلى البيت العتيق في مكة استجابة ملموسة بينهم.
وخرج النبي صحبة ألف وأربعمائة من المؤمنين، ومن لحق به من العرب – وهم قليل – وذلك في ذي القعدة من السنة السادسة ، وساق معه الهدى سبعين بدنة، ستذبح في مكة – عند الكعبة – لإطعام فقرائها .
وأحرم هذا الركب العظيم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه ، وليعلموا أنه إنما خرج – وأصحابه – زائرین لهذا البيت ومعظمين له، وساروا ملبين نداء إبراهيم الخليل عليه السلام.
موقف قريش من زيارة النبي واصحابة للكعبة
حتى إذا كانوا على مرحلتين من مكة – بعسفان – لقيهم بشر بن سفيان الكعبي، فقال : يا رسول الله ، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم الثوذ المطافيل (یعنی النساء والصبيان)، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم أبدا ، وقد أعدوا لحربك وجعلوا على خيلهم خالد بن الوليد!
هذه قريش إذا، وهذا تفكيرها الذي ما يزال ماضية في انحرافه، تريد أن تسعرها حربا في شهر حرام، وإلى جوار البيت الحرام.
الحقد وحده هو الذي يسيطر على عقولهم بعد أن ملأ قلوبهم، والحمية الجاهلية هي التي تحكم تصرفاتهم وتقودهم في جميع خطواتهم، حتى ولو أدت إلى حتفهم
لكن المسلمين لم يأتوا للحرب، لذلك قال النبي: «یا ریح قریش القد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بی وبین سائر العرب، فإن هم أصابونی كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قریش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» – أي الموت !
حكمة النبي في صلح الحديبية
وتجنبا للاصطدام بقريش، قال رسول الله : «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها ؟ فتقدم رجل من أسلم فسلك بالمسلمين طريقة وعرة بين الشعاب ، وقد شق عليهم اجتيازه ، ثم أفضى بهم إلى أرض سهلة فانثنوا يمينا حتى نزلوا بالحديبية – وهي قرية متوسطة بينها وبين مكة مرحلة واحدة – عندما برکت القصواء (ناقة النبي) ولم تتحرك ، فدهش الناس لأمرها وقالوا: خلأت القصواء (يعني حزنت)، فقال النبي: «ما خلات، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لا تدعونی قریش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها . ثم قال للناس : انزلوا، حيث انتهى بالناقة المسير .. وعندما رأى فرسان قريش المسلمين يغيرون طريقهم أسرعوا إلى مكة ليحولوا بين المسلمين وبين دخولها.|
وهكذا حط المسلمون رحالهم في الحديبية ينتظرون دخول مكة وأداء نسكهم عند البيت ثم ينحرون هديهم تقربا إلى ربهم الذي أتم عليهم نعمته ومكنهم من تحقيق أمنية عزيزة عليهم، بعدئذ يعودون ظافرين إلى المدينة، لا أرب لهم في شئ غير ذلك، فهل تفهم قريش ذلك فلا تقف في طريقهم ولا تصدهم عن بغيتهم؟ لو فعلت ما خسرت شيئا ! لكنها لسوء فهمها وضيق أفق زعمائها لم تفعل، وهي تدرك في الوقت ذاته دقة موقفها أمام نفسها وأمام العرب ، فهی من ناحية : لا تريد حربا تستعد لها تماما فتخسرها فتسوء العاقبة، ومن ناحية أخرى : فهى لا ترضى بدخول المسلمين مكة دون إذنها حتى لا يتحدث العرب بعدئذ ويقولوا : لقد دخل محمد وأصحابه مكة عنوة فلم تستطع قریش منعهم !! وكان على زعماء مكة أن يعالجوا هذا الموقف الحرج الذي صنعوه ووضعوا أنفسهم وقومهم فيه، فأرسلوا سفراءهم واحدا في أثر الآخر إلى النبي لإيجاد مخرج مما هم فيه.
وسنكمل في مقال اخر تكملة صلح الحديبية .
قد يهمك ايضاً :