هل الاخلاق قابلة للتغيير ؟
جدول المحتوى
هل الاخلاق قابلة للتغيير ؟
الاخلاق قابلة للتغيير ؟
ولكن هل يعني قولنا : إن «الخلق» هيئة راسخة في النفس أن الخلق فطري ثابت في النفس لا يقبل التغيير ولا التبدل بخلق آخر مضاد ؟ وبتساؤل آخر : هل يمكن تغيير الأخلاق ؟
هذا التساؤل تختلف حوله إجابات المفكرين : – فمنهم من يرى أن الخلق ثابت وأن المرء الخير يولد خير ويستمر كذلك ، والمرء الشرير يولد أيضا شريرا ويستمر كذلك ومثلهما في ذلك مثل الحمل الذي يولد – ويستمر – وديعا
والنمر الذي يولد – ويستمر – مفترسة، وليس في مقدور علم الأخلاق – فيما يرى هذا الفريق – تغيير أخلاق الشخص ولا استبدالها بخلق آخر أفضل أو أحسن
ومهمة علم الأخلاق لا تعدو أن تكون مهمة وصف لطبائع الناس وعاداتهم، تماما مثلما يصف التاريخ الطبيعي نظام الكائنات الحية وعاداتها في حياتها
والإنسان من وجهة النظر هذه مجبر بمقتضى فطرته الخيرة أو الشريرة على فعل الخير أو فعل الشر، وما يشعر به المرء من الحرية أو إرادة الاختيار إن هو إلا شعور زائف وخداع
والرأي الثاني
يؤكد قبول الاخلاق للتغيير ويؤكد الاستعداد المزدوج في كل شخص لاكتساب الأخلاق الفاضلة أو الأخلاق الرديئة .. ويعد «سقراط» من أول الداعين إلى إمكان تغيير الخلق بالعلم
والعلم فضيلة – فيما يرى سقراط – والجهل رذيلة كما هو معروف من مذهبه في علم الأخلاق .
ويذهب فلاسفة الأخلاق في الإسلام إلى هذا الرأي ويؤكدون بدورهم على قابلية الأخلاق للتهذيب والتغيير .
ويستدلون على ذلك : بأن تغيير الخلق لو لم يكن ممكنا لما كان هناك مبرر لنزول الكتب السماوية وإرسال الرسل، ولما كان هناك معنى للشرائع وللقوانين، ودعوات المصلحين والمربين .
أما وقد أرسل الله الرسل للناس مبشرين ومنذرين وأنزل معهم هدیه وشريعته إصلاحا للنفوس وتهذيبا الطبائعها وسجاياها، فهذا ما لا يستقيم مع القول باستحالة تغير الخلق واستجابته الدرامي الخبر أو دواعي الشر .
والنصوص القرآنية الواردة في هذا الموضوع تتجه كلها إلى هذا المذهب ، أي مذهب الاستعداد المزدرج :
هو إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ه و الإنسان، . – ف وهديناه النجدين د. والبلد.. – هونفس وما سواها و الهمها فجورها وتقواها الشمس .
ويستدل الإمام الغزالي على هذا المذهب بقول النبي : «حسنوا أخلاقكم، وهذا دليل – فيما یری – على إمكان تغيير الخلق
وأن ذلك لو لم يكن ممكنا لما أمر به ولو امتنع ذلك لبطلت الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب وكيف ينكر تهذيب الإنسان مع استيلاء عقله ، وتغيير خلق البهائم ممكن الحكم الخلقية
صدور هذا الفعل عن إرادة ونية، وأن الأفعال المنعكسة أو المجردة عن نوايا وإرادات تسبقها لا تخضع للحكم الخلقي ولا توصف بأنها خير أو شر.
ونتساءل الآن عن الأفعال التي توافر فيها شرط الإرادة والنية :
هل يتجه الحكم الخلقي على الفعل ذاته بغض النظر عن نية الفاعل أو يحكم على الفعل باعتبار القصد والنية والإرادة ؟
هاهنا في الإجابة على هذا التساؤل مدرستان ؟
1- مدرسة ترى أن الحكم الخلقي يجب أن يتجه إلى نفس العمل
فيحكم على الفعل بأنه خير إذا كان الفعل حسنا، ويحكم عليه بأنه شر إذا كان قبيحا مهما حسنت نية فاعله . والنيات والمقاصد أمور خفية مستورة يصعب اطلاعنا عليها
ومن ثم فلا يصح أن تكون مقياسا للحكم الخلقي
۲ – أما الغالبية العظمى من الأخلاقيين قديما وحديثا
فيذهبون إلى الرأي الآن ويقولون إن الحكم الخلقي على الفعل والفاعل بأنه خير أو شر يجب أن بحسب نية الفاعل وقصده ، والغرض من الفعل هو الذي يحدد نوعيته .
الحسن أو القبح، فإن كان قصد الفاعل ونيته خيرا كان فعله خيرا وإلا كان فلو أن طبيبا – مثلا – أراد أن ينقذ حياة مريض في حالة خطرة فأدى ذلك التعجيل بموت المريض
فإن الحكم الخلقي يصدر على عمل الطبيب باعت قصده ونيته فقط دون النظر إلى تلك النتيجة المحزنة»
وموقف الإسلام يرجح هذا الرأي ويميل إليه، وذلك لما للنية من دور خطير في تقويم العمل واتصافه بوصف الحسن أو القبح، فقد يشترك فعلان في هيئة واحدة ونتيجة واحدة ولكن يفرق بينهما اختلاف النيات
فيوصف أحدهما بالحسن والآخر بالقبح، وذلك فيما لو رأينا – من – شخصا يضرب طفلا يتيمالتأديبه وآخر يضربه لإيذائه، فالحكم على الفعلين حكم مختلف رغم تساويهما في إيلام الطفل
والنية أو الغرض هنا هو مناط الحكم ووصف الفعل بالحسن أو القبح، ويدلنا على ذلك ما نعرفه من أن الأعمال في الإسلام مرتبطة بمقاصدها
وما يشترطه کثیر من أئمة الفقه الإسلامي في صحة العبادات والمعاملات وانعقادها من ضرورة «النية كشرط في صحة الفعل وانعقاده .
ويفهم من القرآن الكريم أن الحكم لا يتجه إلى شكل الفعل وإنما يتجه إلى ما يسبقه من نية وقصد : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم (35) البقرة .
ونفس هذا المعنى يفهم أيضا من قول الرسول ل «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»
قد يهمك ايضاً :