الجزء الثاني من غزوة احد
جدول المحتوى
الرسول يضع خطة الحرب
غزوة احد الجزء الثاني ، نزل الرسول بالمسلمين الشعب من جبل أحد، وعسكروا على السفح المواجه للمدينة جاعلين ظهرهم إلى الجبل في مواجهة المشركين.
وأعد النبي خطة حربية متكاملة رائعة من شأنها كسب المعركة، فقد وزع الرماة على أماكنهم بأعلى الجبل وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، وأوصاهم فقال لهم – وكانوا خمسين رجلا -: انضحوا الخيل عنا لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت الدائرة لنا أو علينا فالزموا أماكنكم لا نؤتين من قبلكم .
وانتهى الرسول من تنظيم صفوف الجيش، وأصدر أمر هام إلى الجند بألا يبدأ أحد القتال إلا بعد إذنه ، ثم أخذ يختار أكفأ الرجال ليكونوا في المقدمة، ولتكون الضربة الأولى بهم قاصمة لغرور المشركين، حتى يعوض بذلك الفارق الهائل بين أعداد الجيش.
غزوة احد
غزوة احد ، وما هو إلا أن تقاربت الصفوف والتحم الجيشان، فبدأت الحرب، وانشالت ضربات جند الله كالصواعق تنزل على رؤوس المشركين فتطيح بها واحدة بعد أخرى، ويسقط لواء المشركين
ثم يرتفع ليسقط، وهكذا حتى لم يجد من يرفعه إلا إحدى النساء، وتمزقت صفوف قريش، ولاذ كثير من رجالها بالفرار، وتبعهم جند الله يعملون فيهم سيوفهم ضربا وتقتيلا.
وشهد ميدان المعركة صورة فريدة من البطولة وأمثلة رائعة من الشجاعة والإقدام تسابق جند الحق في عرضها وتقديمها، وشدوا على عدوهم الكرة، فأزاحوهم عن مواقعهم، فتقهقر هؤلاء أكثر وأكثر، ولم تؤثر فيهم صيحات نسوتهم ولا هتافاتهن الصارخة.
وهكذا تمسك المسلمون بخطة النبي البارعة فأنزل الله نصره عليهم في جولة واحدة ، قال ابن إسحاق : ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده ، فحسوهم بالسيوف حتی کشفوهم عن العسكر ، وكانت الهزيمة لا شك فيها، قال الزبير بن العوام : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة – امرأة أبي سفيان – وصواحباتها مشمرات هوارب، مادون أخذهن قليل ولا كثير !!
خطأ الرماة في غزوة احد
اتقهقر المشركين وفرارهم ، أهمل الرماة وصية رسول الله لهم بالثبات في مواقعهم مهما كان الذي يحدث في أرض المعركة.
فانحدروا نحو مواقع المشركين التي انسحبوا منها وترد أسلابهم، وأخذوا يجمعونها، ولقد حاول قائدهم عبد الله بن جبير أن يمنعهم من ذلك وذكرهم بأمر النبي الصريح لهم بألا يغادروا موقعهم من الميدان.
ويؤدوا واجبهم الدفاعي الذي كلفوا به، فلم يسمعوا واندفع جلهم إلى الغنائم والأسلاب ولم يثبت مع ابن جبير إلا عشرة من الرماة فقط. فتحرك القائد الزکی الخيل المشركين وهو خالد بن الوليد بفرسانه نحو هؤلاء العشرة، ولم يأبه لنبالهم القليلة وانقض عليهم في سرعة خاطفة .
وقضى تماما على وجودهم ثم نادي قومه المنهزمين فأسرعوا نحوه، وكان موقع الرماة هذا ثغرة خطيرة استولى عليها المشركون، واندفعوا منها خلف ظهر المسلمين الذين شغلت أكثرهم غنائم عدوهم.
اشاعة مقتل النبي
فأعملوا فيهم سيوفهم ورماحهم، وفي لحظة واحدة تغير سير المعركة، إذ اضطرب المسلمون لهذه المفاجأة واختل نظامهم، واختلطت على أكثرهم الأمور، فلم يدروا ماذا يفعلون، وزاد من قلق المسلمين واضطرابهم ما أشاعه ابن قميئة الليثى المشرك أنه قتل النبي
ولم يكن صادق فيما زعم، فإن النبي – بعد أن رماه أحدهم بحجر أسال الدم من وجهه، وكسر أنفه ورباعيته – أخذ ينادي المؤمنين ويصيح بهم: إلى عباد الله، إلى عباد الله ، فاجتمع إليه نحو ثلاثين رجلا، وأحاطوا به، وترسوا أنفسهم دونه حتى لا يخلص إليه المشركون.
والتفت أبي بن خلف الجمحي فرأى النبي – وكان من أشد أعدائه – فاندفع يريد قتل رسول الله وهو يقول : يا كداب أين تفر؟ وحمل على النبي بسيفه. فعاجله رسول الله بطعنة برمحه أصابته إصابة مباشرة قتلته في اليوم التالي.
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
ونهض النبي بمن انضم إليه من الرجال نحو الشعب من الجبل، وعرف أولئك الذين أصابتهم الدهشة مما حدث، وابتعدوا قليلا عن أرض المعركة حتى تبين أمامهم الأمر ، عرفوا أن الرسول ما زال حيا فانعطفوا نحوه وأحاطوا به وحالوا دون وصول المشركين إليه .
ولم تتوان قريش في مهاجمة النبي ومن معه من أصحابه يريدون الإجهاز عليهم، وكانت ساعة من أصعب الأوقات التي مر بها الإسلام ، وفرسان المشركين ورماتهم يستميتون في حملتهم الضارية لقتل النبي وتحقيق أمنيتهم الصعبة.
ولكن دون النبي وقف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنعوه من أن تصل إليه سيوف المشركين أو رماحهم وتحطم أمل قريش وطاشت سهامهم.
وحفظ الله رسوله منهم، فيئسوا من الوصول إليه، فتوقفوا عن محاولاتهم قتله ، وكان التعب والإعياء الشديدان قد نالا من الفريقين، وعرف كل منهما أنه لن يبلغ من خصمه أكثر مما بلغ، وعلى الرغم من أن قريشا طمعت في قتل النبي والقضاء على أصحابه في هذه الغزوة التي واتتها فيها الفرصة.
قد يهمك ايضاً :