رحلة الطائف بعد عام الحزن
عام الحزن ، خرج النبي صل الله عليه وسلم وأهله من الحصار الذي ضربته عليهم قريش، واستأنف النبي دعوته في مكة بين أهلها وبين من يفدون إليها من القبائل العربية في موسم الحج
ولعلك عرفت مما ذكره عن السيدة خديجة رضي الله عنها كيف كانت تقف إلى جانب النبي منذ أن ارتبطت به برابطة الزواج
وكيف كان موقفها عندما أخبرها بما حدث له في غار حراء على يد جبريل عليه السلام؟
فلقد صدقته وامنت به منذ الوهله الأولى وواسته بجمالها وهونت عليه الشدائد كلها ، فكانت له ملاك رحمة يجد عندها الأمن والطمأنينة كلما عاد إليها مهموما مكلوما من صنيع قريش معه !
عام الحزن
ولعلك عرفت كذلك موقف عمه أبي طالب منه ، ونصرته له مع أنه لم يؤمن بدعوته ، وعدم تفريطه فيه وكيف كانت قريش تخشى أبا طالب وتحسب له حسابا كلما همت أن تؤذي محمدا
حقا لقد كان أبو طالب وخديجة أكبر عون للنبی، ولكن القدر أراد أن يحرمه منهما دفعة واحدة ، فلم تكد تمضي بضعة أشهر على نقض الصحيفة وانفراج أزمة الحصار حتى فاجأت الأقدار النبي بموت عمه أبي طالب، وزوجه خديجة، فكان لموتهما وقع مؤلم على نفسه، فتأثر لفقدهما أبلغ التأثر، وحزن لوفاتهما أشد الحزن، حتى سمي ذلك العام “عام الحزن”
و كان النبي يدرك أنه لم يحرم فقط من عمه وزوجه، ولكنه كان متأكدا أن قريشا سوف تستأنف مضايقتها له ووضعها العراقيل أمام دعوته
ولكنه على الرغم من ذلك ، ومن الحزن العميق الذي أصابه بوفاة عمه وزوجه ، فإنه لم يضعف ولم تهن عزيمته ، بل كان، واثقا من نصر الله له، وأنه بجانبه يؤيده ، ويهيئ لدعوته أسباب النجاح، فمضي في طريقة يكافح حتى يبلغ رسالة الله إلى العالمين.
رحلة النبي إلى الطائف
حدث ماتوقعه النبي صل الله عليه وسلم من قريش بعد وفاة أبي طالب وخديجة، فقد استأنفت إيذاءها له، وسدت في وجهه كل السبل في مكة ، ففكر في أن يعرض دعوته على بعض القبائل العربية الأخرى خارج مكة
عله يجد عندها النصير والعون الذي يؤمن به ويؤازره ويمد له يد المساعدة، فقرر أن يذهب إلى قبيلة ثقيف بالطائف ، وذهب إلى هناك فعلا، وعرض الإسلام على ثقيف
ولكن خاب ظنه فيهم، فلم يجد منهم أذنا صاغية، وليتهم اكتفوا بأن لم يسمعوا منه، ولم يؤمنوا به، ولكنهم – ولعلمهم أن قريشا تعارضه – أرادوا أن يجاملوا قريشا على حسابه ، فردوه ردا سيئا، وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم يسبونه ويصيحون به ويقذفونه بالحجارة !.
وعز على النبي الذي جاء هؤلاء القوم بعز الدنيا والآخرة، أن يقابل منهم بهذا الصدود وهذا الإيذاء ، غير أن النفوس الكبيرة لا تعرف اليأس ولا الفشل والذي أرسل رحمة للعالمين لم يكن ليهتم كثيرا بهذه الصغائر
فهذا هو طريق الأنبياء دائما مفروش بالأشواك ، وإن كان هؤلاء القوم قد كذبوه وأهانوه، فقد كذب الرسل من قبله وأهينوا ولكنهم صبروا واحتملوا ، ونجحوا في النهاية ، وعلت كلمة الله في الأرض وبلغوا رسالاتهم
لأن الله تعالی کتب : و لأغلبن انا ورسلي ، وكان موقف النبي رائعا وهو عائد من الطائف فلم يضعف ولم ييأس ، وإنما لجأ إلى الله، فجلس على الأرض ورفع يديه إلى السماء في ضراعة وخشوع وإيمان ويقين قائلا: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بی غضبك ، أو تحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك».
رحمة النبي صل الله عليه وسلم
و هكذا واجه النبي ذلك الموقف، فلا غضب ولا يأس ، و لكن أمل في الله ، وثقة به وضراعة إليه، ورجاء في رضاه ورحمته .
ويرى أن جبريل جاء إلى السبي وهو في موقفه هذا وقال له: يا محمد ، إن كنت تريد أن أطبق لك عليهم الجبلين لفعلت».
ولكن الرسول الكريم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين وجعله على خلق عظيم قال له ما معناه : «لا يا أخي يا جبريل، ولكن أقول : «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».
نعم يا رسول الله أنت أكبر وأعظم وأنبل من أن تفكر في الثأر والانتقام، أنت إنما جئتهم لتخرجهم من الظلمات إلى النور
وتهديهم و تعلمهم ، ولم تبعث لتدميرهم وإهلاكهم، فصلوات الله وسلامه عليك، وجزاك ربك عن البشرية خير الجزاء هذا عن موقف ثقيف يتناسب مع النبي صل الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائفية ، وفي الواقع ، أن النبي لم يعرض نفسه ودعوته على قبيلة ثقيف وحدها
ولكن على كثير غيرها من قبائل العرب أخذا بكل أسباب الدنيا وهو الذي إذا رفع يديه الي السماء لأتته الدنيا وهي راغمه لنعلم أن طريق الدعوة لن يكون ممهدا ، وأن الحق يحتاج الي رجال تتحمل أعباءه ومشقاته ، ونيتقن أن الله ناصرا لأولياءه مهما طال الأمد فهو الذي يقول سبحانه وتعالى : ((وكان حقا علينا نصر المؤمنين )) . سورة الروم
قد يهمك ايضاً :